الفصل 029 : رذاذ فقدان الذاكرة.

---------------------------------

توقف (أورين) قليلا للتفكير في الأمر، فهو لا يعلم ماذا سيقول حقا في ذلك الموقف الصعب. فأغمض عينيه وهو مرتبك وقال بدون تردد:

"(آيريس)؟"

حينما سمعت (جودي) ذلك الجواب، ظهر عليها الإحباط وكانت تبدو غير واثقة من نفسها. فقالت لـ(آيريس) بانزعاج:

"حسنا، لقد حصلتِ على ما تريدين، هل نستطيع إنهاء هذا الهراء؟"

نظرت (آيريس) إليها بعينين ضيقتين وهي تبتسم، ثم قالت لها ونظرت إلى (أورين):

"أعتقد بأنه لا يقول الحقيقة يا (جودي). ألستَ كذلك يا (أورين)؟"

وضعت (جودي) يديها خلفها ووجهها محمر من الخجل وهي تنظر إلى (أورين) وكأنها تنتظر منه جوابا على ما قالته (آيريس).

ابتسم (أورين) وقال ل(جودي):

"أنا آسف يا (جودي) ولكني لم أقصد باختياري ل(آيريس) بأنك ليست جميلة بتلك الملابس، فأنتِ تعلمين مسبقا بأنني لن أختار أحدا غيرك في موضوع الجمال، وهذا شيء لا نقاش فيه لذلك وعندما اخترت (آيريس) كان ذلك من باب ارضائكما فقط لأنكم متساوياتان تماما."

كانت (جودي) مصدومة مما قاله (أورين)، فاستدارت إلى (آيريس) ووجدتها تنظر إليها وهي تبتسم فاقتربت منها وقالت لها:

"حبيبتي، أخيك الغير الشقيق رائع! أنت أكثر فتاة محظوظة في العالم!"

ابتسمت (جودي) خجلاً وهي تنظر إلى (أورين) وقالت: "أجل أنا محظوظة حقاً على ما أظن هيهي.."

حينها خرجت الفتيات بعد ارتدائهن لملابسهن وكان (أورين) لا يزال جالساً هناك وهو يشاهدهم، حتى خرج الجميع إلا هو.. فأدرك متأخرا بأن عليه أن يعود ليكمل دراسته. وذهب بسرعة إلى غرفته.

***

في اليوم التالي، كان (أورين) في فصله الدراسي وقد إنتهى لتوه من الإختبار في مادة التاريخ، وبعد أن خرج جميع زملائه في الفصل، ذهب إلى (ريبيكا) لكي يتحدث معها عن سبب تنجبها له طوال الوقت.

"اهمم... (ريبيكا)! كيف حالك؟"

كانت عليها نظرات باردة وغير مبالية وقالت له:

"إسمي الآنسة (ويلسون) يا (أورين)..."

لم يفهم (أورين) لماذا كل هذا التغير المفاجئ، لدرجة أنها لم تعد تحب أن يناديها بإسمها مباشرة. فقال لها:

"ولكن... ماذا حدث؟ لماذا قمتِ بالغاء دروسنا الخاصة؟ فلقد تحسنتُ كثيراً! وأعتقد بأنني سوف أنجح في هذا الإختبار بعلامة كاملة!"

أجابته: "أنا أعلم ذلك يا (أورين)، إنه فقط..." ثم تنهدت وأكملت: "تعال معي إلى ركن القاعة هناك لنتحدث."

وقفوا في ركنية القاعة، وكانت (ريبيكا) تنظر إلى الأرض، ومن ثم قالت:

"اسمع، الأمر هو... أن-أنني أعلم ماذا حدث في المرة الأخيرة... عندما كنتُ مرتدية لعصب العينين..."

حينها (أورين) تفاجأ، وكانت (ريبيكا) تبدو قلقة قليلاً فنظرتْ إليه مباشرة وأكملت:

"أعلم بأن ذلك ليس خطأك، لأنني اعتقدت بأنك كنت خطيبي وضللتك حتى فكرت في القيام بشيء خاطئ. ولكن... إن علم أحد بما حدث، فذلك سيدمر زواجي، ومسيرتي المهنية أيضاً. أعتقد بأنه من الأفضل أن ننسى أمر الدروس الخاصة. أحتاج إلى القليل من المساحة بيننا الآن، أتمنى أن تكون قد فهمت ما أقصد."

قال لها (أورين): أنا أتفهمك."

فتحولت ملامحها إلى ملامح سعادة، وقالت له شاكرة:

"شكرا لك (أورين). كنت أعلم بأنني أستطيع التحدث معك. أنا..." لكن بعد ذلك تغير مزاجها واستعدت للمغادرة وقالت له بصوت خالٍ من المشاعر: يجب عليّ أن أذهب... الوداع."

علم (أورين) حينها بأنه قد أخفق في علاقته مع (ريبيكا) لدرجة أنها لم تعد تريد أن يناديها باسمها بعد الآن.

وبينما كان (أورين) منغمساً في أفكاره، سمع شخصاً يحدثه قائلاً:

"هاي، أنت، هل تفكر في الشخص الذي ستغتصبه اليوم؟"

استدار (أورين) ووجدها (ياسمين) من قالت له ذلك الكلام، فقال مستغرباً: "ماذا؟"

قبل أن تجيبه كان أحد الطلاب في الفصل قال لـ(ياسمين):

"(ياسمين)، حفلتك كانت مجنونة!"

فقامت بالوقوف بوضعية أنثوية وقالت له: "شكرا لكن عزيزي، إن حفلاتي دائما كذلك."

ثم استدارت إلى (أورين) بعد أن قال لها مجدداً: "ماذا قلتي للتو؟"

ياسمين: "سألتك إن كنت تفكر في من سوف تغتصبه اليوم."

سألها (أورين): "هل أنتِ تتحدثين عما حدث في الحفلة؟"

فقالت (ياسمين) ويبدو عليها الإشمئزاز:

"بالطبع يا عزيزي، هل تعتقد حقا بأنني سوف أخفض نفسي ومكانتي إلى مستواك؟"

"أجل، مهما كان ما تقولينه. فلقد بدى لي بأنكِ كنتِ تستمتعين بنفسك كما لو أنك لم تفعلي ذلك من قبل."

بدأت حينها تنظر إلى كل الاتجاهات وقالت له بصوت منخفض:

"لا تصرخ بهذا الكلام بقوة! ولأقول لك شيئاً، من الواضح أنك قمت بتخديري."

ضحك (أورين) وقال لها: "هاها! الآن هذا عذر رائع لا أعلم من أين أتيتي به! أنتِ قد طلبتني من أجل المزيد!"

ظهر الإنفعال على (ياسمين) وقالت:

لا! ذلك لم يحدث! ولكن إن حدث وأخبرت أحد ما عن قصتك المزورة تلك، فسوف أخبر أبي باسمك الحقيقي وسوف يقوم بتدمير حياتك."

استغرب (أورين): "والدك؟"

أجابته: "نعم... لقد سألني عن من تكون، ولكني كنت أشعر بالخجل من نفسي لذلك قمت باختراع أشياء غير موجودة..."

لم يعجب (أورين) الأمر، وشعر بأنه حقا في خطر، لأن (مولوخ) عضو من أبناء (عشتروت) يبحث عنه حاليا، ولحسن الحظ لم تخبره ابنته باسمه الحقيقي وبأنه يدرس معها في نفس الفصل.

فقال لها: "اهمم... حسنا، لا تقلقي، لن أخبر أحداً بأنني فًعلتُ ذلك مع عاهرة مثلك."

كانت (ياسمين) تبدو غير مكترثة بما يقوله لها، وقالت له قبل أن تغادر: "أرى بأنك فهمت... أيها المغفل!"

عند خروجها من الفصل دخلت (لورين)، وتوجهت مباشرة إلى (أورين) لتتحدث معه.

لورين: "هاي!"

"مرحبا (لورين). هل أتيتِ لتقولي لي بأن أغرب عن وجهك أنتِ أيضاً؟"

لورين: "هممم.. هذا حقاً مغرٍ، كنت لأحب أن أقول لك ذلك ولكني لم أكن أخطط لفعلها الآن. أردت فقط أن أذكرك بأنه يجب عليك ربما أن تجرب رذاذ فقدان الذاكرة، لنرى إن كان يعمل. من المفترض أن نذهب إلى ذلك المستشفى اليوم، ولكننا لم نجربه بعد."

كان (أورين) قد نسي تماما بشأن ذلك الرذاذ على الرغم بأنه الشخص الذي يحمله معه، فهز رأسه وقال:

"أوه، صحيح."

فقالت (لورين): "هل تفكر في شخص ما لتجربه عليه؟"

استدار (أورين) قليلا إلى يمينه وكان (توم) في الفصل مع ابن عمه (جايسون) وكانو يتحدثون، فتوقف عن الكلام مع (لورين) وكان يسمع إلى ما يقولانه ويتأملهما بينما يفكر في تأهل (توم) حتى يجرب عليه الرذاذ:

توم: "حينها ذلك الرجل المتشرد قد أتى إليّ وقال لي: 'يا ص-صديق، من فضلك أعطني بعض النقود.' ومن ثم قلت له: 'أجل بالطبع، النقود التي سوف أحشرها في مؤخرتك اللعينة!' وبعد ذلك قمت برمي قبعته في النهر هاهاهاها~"

جايسون: "هاهاها! هذا رائع يا صاح."

ثم حول نظره إلى جهة أخرى ووجد (جاك البدين) يبكي ويندب في وجهه وجسده ويصيح قائلاً:

"لا أحد يناديني ب(جاك قضيب الحصان)! ذلك الشخص قد كذب عليّ!"

وهنا كان يقصد (أورين) عندما كان يرتدي ذلك الزّي في حفلة (ياسمين).

"لماذا حياتي غير عادلة؟ لماذا عليّ أن أستمر بالعيش في هذا الكابوس؟! لو كانت فقط هناك طريقة حتى أزيل كل هذا الألم! شيء كحبة سحرية أو شيء ما ليجعلني أنسى كل شيء! حتى أستطيع إعادة حياتي من الصفر! أعتقد بأنني لا أملك هذا النوع من الحظ..."

بعد أن رأى (أورين) تلك الحالتين المستعصيتين أمامه، قرر حينها فيمن سوف يجرب ذلك الرذاذ.

فابتسمت (لورين) بعد أن فهمت الأمر بدون أن يتكلم (أورين) وقالت له:

"جيد، سوف أذهب إلى المنزل. لأبدأ في تحضير كل شيء قد نحتاجه. أراك هناك."

أورين: "حسنا! لاحقاً!"

بعد ذلك، كان ينظر إلى (توم) و(جاك البدين)، فكان قبل ذلك يفكر في تجربة الرذاذ على (توم) وعدة أشخاص آخرين ولكن بعد أن رأى أمامه حالة (جاك) فلقد شعر (أورين) بالأسى اتجاهه لذلك قرر أن يرش عليه هو أيضاً الرذاذ حتى ينسى كل شيء عن حياتك المزرية الحالية. أما بالنسبة لـ(توم) فإذا نجحت عليه التجربة فهذا جيد لأنه سينسى من هو (أورين) مع احتمال أن ينسى حتى اسمه. وهذا في حالة كان الرذاذ يعمل جيداً.

فتوجه عند (توم) ووقف أمامه، حينها توقف هو وابن عمه عن الكلام، وبدأوا بنظرون إلى (أورين) واختفت ضحكاتهم وتجولت إلى إنزعاج وغضب.

فقال (أورين) محاولا استفزازه قبل أن يجرب عليه الرذاذ: "مرحبا (توم)، لقد سمعت بأنك قد أحرجت نفسك تماما أمام الجميع في حفلة يوم الجمعة الماضية. من المؤسف حقاً أنني لم أكن حاضرا هناك..."

تقدم (توم) واقترب من وجه (أورين) كثيرً، وكان يبدو وجه (توم) لـ(أورين) بشعاً جدا عن قرب، فقال (توم) بغضب لدرجة أن اللعاب يتناثر من فمه.

"ماذا قلت أيها الحقير؟"

قال له (جايسون) ابن عمه وقال وهو يضحك: "يا رجل، يجب عليك أن تكسر أنف إبن العاهرة هذا."

فرد (توم) على (جايسون) وعينيه لم تفارق (أورين): أجل، أشعر بأنه عليّ أن أكسر أنفه اليوم."

حينها أخرج (أورين) الرذاذ من جيبه وأشهرها أمامه ومن ثم قال ساخراً:

"لا! إلاً الأنف! إذا فعلت ذلك، فلن أكون قادرا على شم هذا العطر الفخم..."

لم يفهم (توم) ما كان يتفوه به (أورين) فعقد حاجبيه وقال له:

"ما الذي تتحدث عنه بحق الجحيم؟"

رد عليه (أورين) بعد أن قرّب الرذاذ إلى وجهه: "العطر! أوه، يا لها من رائحة رائعة! تفضل، جربها بنفسك!"

بعد ذلك قام بالرش على وجهه ولقد كان لونه أصفراً، تفاجأ (توم) وابن عمه من ذلك الفعل.

أغمض (توم) عينيه وكان يحرك أنفه كثيراً من شدة قوة تلك الرائحة، حتى أصبح وجهه بشعاً وقبيحاً أكثر من أي وقت مضى، فقال وهو يصرخ:

"آآآآه... رائحته كرائحة البراز!"

تدخل (جايسون) وسأله: "يا صاح، هل أنت بخير؟!"

شعر (توم) بالغضب مما فعله (أورين)، وقال: "أنا سوف..." ولكنه لم يستطع أن يكمل كلامه.

مرت عدة ثواني و(توم) فيت لك الحالة يحاول فتح عينيه بدون أن يشعر بالألم، حتى فتحهما واختفى وجهه البشع وعادت ملامحه إلى الوضع العادي وأكمل: "سوف..." ثم توقف قليلاً عن الكلام لوهلة، وبعدها تساءل: "ما الذي كنا نتكلم عنه؟"

نهض (جايسون) من مكانه ووقف بجانب (توم) وسأله مجدداً إن كان بخير. ولكن (توم) فاجأ الإثنان عندما قال مخاطبا لـ(أورين):

"أجل... أنا... أنا آسف، من أنت؟"

تفاجأ (جايسون) من الكلام الذي قاله (توم) وكان يبدو عليه أنه لا يفهم شيئاً مما يحدث فصاح عليه مستغرباً:

"ما الذي تقوله بحق الجحيم؟!"

ظل (توم) الذي كان يبدو وكأنه شخص قد مسحت كل خطاياه ينظر إلى (أورين)، فتحدث معه (أورين) وقال له:

"أنا صديقك المفضل، (أورين). ألا تتذكر؟"

فتساءل (توم) مع نفسه وكان يبدو عليه وكأنه يحاول أن يتذكر اسم (أورين) وبأنه صديقه المفضل.

بعد ذلك أظهر ابتسامة جميلة بوجه بريء وقال لـ(أورين) بلطف:

"آه، أجل، (أورين). صديقي المفضل!"

شعر (جايسون) بالصدمة الشديدة عندما سمع ما قاله (توم) للتو، فقبل قليل كان (توم) يحاول أن يكسر أنف (أورين) لأنه كان يعبث معه ويستفزه، ولكن الآن كل شيء تغير وأصبح (توم) لطيفاً أكثر من اللزوم.

جايسون: "ماذا؟ يا رجل، لنذهب إلى المنزل، ذلك العطر اللعين قد أثر على عقلك."

استدار (توم) إلى ابن عمه (جايسون) وقال له بلطف:

"حسنا، لنذهب. ولكن هل نستطيع التوقف على محل الأزهار حتى نشتري بعض الورود أثناء عودتنا؟"

كان ابن عمه مصدوما ولم يستطع التكلم بعد سماع كل تلك الأشياء السخيفة التي كان يقولها للتو، وغادر الإثنان الفصل وقال (توم) بصوت ناعم ولطيف قبل أن يغادر: "يا له من يوم جميل...".

يتبع..

2022/02/02 · 106 مشاهدة · 1659 كلمة
نادي الروايات - 2024